الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الله تعالى أنزل تشريعاً ومنهجاً على رُسُله ليضبط حركة الناس في الحياة:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس السابع والخمسين من دروس سورة البقرة، ومع الآية الرابعة والسبعين بعد المئة، وهي قوله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)﴾
أيها الإخوة الكرام؛ الله جلّ جلاله أنزل تشريعاً أو منهجاً على رُسُله ليضبط حركة الناس في الحياة، الناس كائناتٌ أُودعت فيهم الشهوات، بمقتضى هذه الشهوات يتحركون، الدافع إلى الطعام والشراب يدفع الإنسان إلى العمل، ليشتري بأجرته طعاماً يأكله هو وأولاده، وهذا من أجل الحفاظ على بقاء الفرد، والدافع إلى الجنس يقتضي أن يحافظ الإنسان به على النوع، وهذا يقتضي شراء بيت، وتأثيث البيت، وخطبة فتاة، والاقتران بها، وإنجاب الأولاد، هذه الدوافع الأصيلة في الإنسان تدفع الإنسان إلى حركة، حركة الناس في الحياة.
انظر إلى طريقٍ مزدحمٍ بالمارَّة والسيارات، كل إنسانٍ يسعى إلى هدف، هذه حركة، لولا هذه الدوافع التي أودعها الله في الإنسان لما رأيت حركةً في الحياة، حركة الناس في الحياة، هذه الحركة جاء منهج الله ليضبطها، ليجعلها في صالح الإنسان في دنياه وفي أخراه.
الأحكام الشرعية ضمان لسلامة الناس:
أيها الإخوة؛ الإنسان محكوم في هذه الدنيا بأحكام شرعية، كل شيء له حكم شرعي؛ هذا حلال مباح، هذا حرام، هذا مكروه، هذا مكروه تنزيهاً، هذا مكروه تحريماً، هذه سنة، هذه سنة مؤكدة، هذا واجب، هذا فرض، أي شيءٍ يمكن أن تتحرك من خلاله له حكمٌ شرعي، لماذا جاء الشرع؟ ليضبط حركة الإنسان في الحياة، ليأمره أن يفعل وألا يفعل، إن أمره ألا يفعل ينبغي ألا يتوهم الإنسان أن هذا النهي قيدٌ لحريته، إنما هو ضمانٌ لسلامته.
فإذا حرم الله على الإنسان أن يسرق، قد يتصور أن هذا قيد، أنت مُحَرمٌ عليك أن تسرق، ومُحَرمٌ على ألف مليون أن يسرقوا منك، لصالح من؟ مُحَرمٌ عليك أن تفعل الفاحشة، ومُحَرمٌ على ألف مليون أن يفعلوا مع من يلوذ بك الفاحشة، هذا الشرع لكل المؤمنين، بالأصل لكل الناس كافةً لضبط حركتهم في الحياة، حينما تتوهم أن هذا الشرع قيدٌ لحريتك فأنت لا تعرف شيئاً، إنما هو ضمانٌ لسلامتك، وإذا منعك من شيء منع كل الناس من هذا الشيء ضماناً لمصالحك، وضماناً لحريتك، وضماناً لكرامتك.
إذاً هذا المنهج هو الذي يسعد الناس في الدنيا ويُسعدهم في الآخرة، منهج الله، الأمر والنهي، ويسبقه معرفة الله، هذا الذي يكتم هذا المنهج عن الناس، أو يشوِّهه، أو يزوِّره، أو يختلق منهجاً ويعزوه إلى منهج السماء، ماذا فعل؟ هذا أفسد على الناس طريق سلامتهم وسعادتهم، فأن تكتم الحق هذه جريمة كبيرة، لأنك إن كتمت الحق أشقيت الناس، الإنسان لا يسعد إلا إذا طبق منهج الله، لا يسعد، والأدق من ذلك لا يسلم ولا يسعد إلا إذا طبق منهج الله، فإذا أغفلت هذا المنهج، أو كتمته، أو عتَّمت عليه، أو شوَّهته، أو زوَّرته، أو أدخلت فيه ما ليس منه، أو حذفت منه، ماذا فعلت؟ هذه جريمة.
لذلك هذا المنهج من يقيِّم ثمنه الحقيقي؟ واضعه، الذي أنزل هذا المنهج هو الذي يقيِّم ثمنه، ثمنه الجنة، هذا الثمن أبدي، هذا الثمن مستمر، هذا الثمن تصاعدي، أما هذا الذي يكتم المنهج ليأخذ بهذا الكتمان ثمناً قليلاً، بخساً، آنياً، منقطعاً، هو أكبر خاسر.
تطبيق منهج الله ثمنه الجنة:
لو فرضنا أن معملاً فيه ألف عامل، وفيه تعليمات دقيقة، قد يكون معملاً كيميائياً، أو معملاً إلكترونياً فيه طاقة عالية جداً، وفيه تعليمات دقيقة جداً لسلامة العمال، ولنجاحهم في عملهم، فلو أنّ أحد الموظفين كتمَ هذه التعليمات، فحصل انفجار أودى بثلثي عُمال هذا المعمل، هذه أكبر جريمة، هذا المثل يمكن أن يوسَّع: هذا الذي يكتم ما أنزل الله، يُعتِّم، يُزوِّر، يُدخل ما ليس فيه، يحذف منه ما هو أساسي، شوَّه هذا المنهج، لم يَعُد صالحاً لسلامة الناس ولا لسعادتهم، كفر الناس به، ابتعدوا عنه، أجرم بحق هؤلاء جميعاً، فلذلك تطبيق هذا المنهج ثمنه الجنة، وهذا هو الثمن الذي وضعه الله لمن يطبِّقه.
الآن قد يخطر في بال إنسان أن يُفتي فتوى يرضي بها بعض الأغنياء فيعطونه مبلغاً كبيراً، أو مكانةً فارهة، أو يهدونه شيئاً ثميناُ، هو بقصور عقله توهَّم أن هذه المركبة تساوي هذه الفتوى بثمن، ماذا فعل هذا الإنسان؟ اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً، لذلك قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ لماذا هم يكتمون؟ من أجل عرضٍ من الدنيا قليل، الدنيا تغر وتضر وتمر، الدنيا زائلة، الدنيا منقطعة، الدنيا فانية، فهذا الذي أخذ ثمناً بخساً؛ مالاً، أو مكانةً، أو هديةً، وكتم ما أنزل الله، أي أفتى بخلاف ما يعلم، لا أقول أفتى بلا علم، هذا الآخر له حساب آخر، لكنه أفتى بخلاف ما يعلم، هو يعلم الحقيقة، ويعلم الحكم الشرعي، ويعلم المنهج الصحيح، لكنه كتم هذا المنهج مقابل ثمنٍ بخسٍ في الدنيا، وهذا المنهج ثمنه الجنة، ثمنه جنةٌ عرضها السماوات والأرض خالدين فيها أبداً، ثمنه سعادةٌ أبديةٌ مستمرةٌ متناهية، فهو قبض ثمناً بخساً مقابل كتمان هذا المنهج.
الآية التالية تنطبق على من سكت عن الحق حفاظاً على مكاسبه الدنيوية:
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ اليهود كتموا صفات النبي التي في توراتهم عن مشركي مكة أو عن مشركي العرب:
﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)﴾
بغياً وحسداً، من أجل أن تبقى لهم زعامتهم، ومكانتهم، ورئاستهم فكتموا هذا المنهج، وأي إنسان حفاظاً على مكاسبه الدنيوية سكت عن الحق، هذا تنطبق عليه هذه الآية حفاظاً على مكانته، حفاظاً على مكاسبه، حفاظاً على ميزاتٍ حصَّلها بجهدٍ جهيد، فكتم الحق ونطق بالباطل إرضاءً لقويّ، تنطبق عليه هذه الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ﴾ بهذا الكتمان ﴿وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ خالق السماوات والأرض قال: هذا ثمن قليل، مثلاً أنت عندك قطعة ألماس، أنا شاهدت قطعة في متحف باسطنبول قطعة ألماس ثمنها مئة وخمسون مليون دولار، هي أضخم قطعة ألماس في العالم فيما كُتِبَ عنها، لكن لو أن إنسانًا باعها بمئة ليرة، ألم يبعها بثمنٍ بخس؟! هكذا والأمر أبلغ من ذلك، سعادة أبدية باعها ببيت، باعها بمنصب، باعها بسيارة.
المكسب الذي يربحه الإنسان من كتمان العلم مآله النار:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾ الإنسان الثمن في الدرجة الأولى ليشتري به الطعام والشراب، الحاجة الأولى هي الطعام والشراب، الجنس تأتي بعدها، ليشتري به طعاماً، هذا الطعام الذي اشتراه به، الذي دفع ثمنه، هذا المكسب الذي جاءه من كتمان العلم، قال: هذا الطعام كأنه نارٌ تحرقه، في الحال طعام أما في المآل نار.
لو أن إنساناً غشَّ المسلمين ببضاعةٍ، عنده معمل أغذية وغشَّهم في هذه الأغذية، وغشَّهم بشكلٍ مؤذٍ، وحقق أرباحاً طائلة، اشترى مثلاً مزرعة، ومسبحاً، وبيتاً جميلاً، هذا الذي اشتراه في الحال مزرعة، أما في المآل فجهنم، كلام دقيق، أي في الحال طعام أكله، إذا كان لشخص دخل حرام قد يشتري أطيب الطعام، وقد يسكن أجمل بيت، وقد يركب أجمل مركبة، لكن هذا الشيء حالياً طعام، وبيت، ومركبة، أما مآلاً فنارٌ تحرقه، ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾ والله كلامٌ مخيف، قبل أن تقف موقفاً، قبل أن تُوافق، قبل أن ترفض، قبل أن تُداهن، قبل أن تبتسم، قبل أن تنافق، قبل أن تقول كلاماً لست مقتنعًا به إطلاقاً، عُدْ للمليون، لأن هذا موقف سُجِّل عليك، وأنت محسوبٌ على المؤمنين.
الآية التالية وإن نزلت في اليهود لا يمنع أن تكون عامةً شاملةً:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ طبعاً أُنزلت هذه الآية في اليهود، الذين كتموا صفات النبي عليه الصلاة والسلام، حفاظاً على زعامتهم ومكانتهم ومكاسبهم، أو بغياً وحسداً منهم للنبي عليه الصلاة والسلام.
ولكن هذه الآية وإن نزلت في هؤلاء الذين كتموا صفات النبي، لا يمنع أن تكون عامةً شاملةً تشمل كل إنسانٍ سكت عن الحق إرضاءً لجهة ما، وقد حقق من هذا السكوت مكاسب كبيرة، هذه المكاسب بكل أنواعها إنما هي نارٌ سوف تحرقه.
أحياناً إنسان يكون كمنديل، تُمسَح به أقذر عملية ثم يُلقى في المهملات، أنت لله، أنت أخطر من ذلك، هؤلاء الذين ﴿يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾ .
أيها الإخوة؛ ربُنا عز وجل يقول :
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)﴾
أي هؤلاء الدعاة لهم آلاف الصفات، الله عز وجل أغفلها كلها إلا صفةً واحدة، هذه الصفة أنهم لا يخافون في الله لومة لائم، ينطقون بالحق ولا يخافون في الله لومة لائم، لو أنهم نطقوا بالباطل خوفاً من جهةٍ ما، أو نطقوا أو سكتوا عن الحق خوفاً من جهةٍ ما، لسقطت دعوتهم، ماذا بقي من دعوتهم؟
كل إنسان يبتز أموال الناس على حساب قِيَمه ومبادئه يأكل النار:
يا أيها الإخوة الكرام؛ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾ أي كل المكاسب التي حصَّلوها إنما هي نارٌ سوف تحرقهم، والله قال لي مرة أحدهم: إنسان له مهنة أساسها فيها ثقة، طبيب يقول لك: حلل، تُحلل، اشترِ هذا الدواء، تشتريه، عملية، عملية، هذه المهنة أصحابها موثوقون، وفي الأعم الأغلب هؤلاء كذلك، أما إذا كان في حالات شاذة، إنسان مثلاً من أجل تجميع أكبر ثروة ممكنة غشّ الناس في صحتهم، اقترح عليهم إجراء عمليات ليسوا بحاجة إليها، وحقق أرباحاً كبيرة منها، واشترى بيتاً فخماً، واشترى مزرعة فخمة، الإنسان البصير الذي أُوتِي فراسةً يرى أن هذا البيت كأنه يشتعل بهم، وأن هذه المزرعة كأنها تشتعل بهم، حينما تُحصِّل مالاً حراماً على حساب صحة الناس، أو على حساب سلامتهم، أو على حساب أمنهم، أو على حساب استقرارهم، أو على حساب عواطفهم النبيلة.
في أوروبا هناك من يخطف الأطفال، يطلب مليون دولار، الأب يدفع، لكن هذا استغلّ العواطف المقدسة التي بين الآباء والأبناء، وابتزّ بها أموال الناس، فكل إنسان يبتز أموال الناس وعلى حساب قِيَمه ومبادئه هذا يأكل النار، ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾ طبعاً العلماء قالوا: لا يكلمهم كلاماً مؤنساً، الله عز وجل يلعنهم، رب العالمين قد يرسل الملائكة لتلقي السلام على المؤمنين:
﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)﴾
رب العالمين آنس سيدنا موسى:
رب العالمين آنس سيدنا موسى، إنسان يجلس في بيت، جاء طفل ابن صاحب البيت ومعه لعبة، إذا أحبّ هذا الضيف أن يُؤْنس هذا الطفل الصغير، ماذا يقول له؟ ما هذه التي بيدك؟ الضيف بالغ، عاقل، راشد، ألا يعلم ما هي؟ لعبة، يقول لهذا الطفل الصغير: ما هذه التي بيدك؟ هذا كلام إيناس، كلام تحبب، كلام فيه مودة، فربُنا عز وجل قال:
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)﴾
هذا كلام إيناس، سيدنا موسى كان يُجزئه أن يقول: عصايَ، لكنها فرصة لا تعوّض أن رب العالمين يكلمه، قال:
﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)﴾
مفهوم: ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ أيضاً مفهوم، يريد أن يُطيل الحديث، أن يُطيل الكلام مع الله عز وجل: ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ وأراد أن يسمح الله له أن يُطيل أكثر وأكثر قال: ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ أي كأنه يتمنى أن يقول الله له: وما هذه المآرب يا موسى؟ يريده حديثاً طويلاً جداً، هذا كلام إيناس أيها الإخوة، كلام تحبب، كلام ود.
في الجنة كما تعلمون:
﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)﴾
فيها: ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ﴾ فيها: ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ فيها جنَّات، بساتين تجري من تحتها الأنهار، فيها حور عين، فيها ولدان مخلدون، فيها فواكه مما يشتهون:
﴿ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23)﴾
﴿ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)﴾
هذه كلها أشياء حسية، لكن فيها أعظم من ذلك، فيها النظر إلى وجه الله الكريم.
(( عن جرير بن عبد الله: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيْلَةَ البَدْرِ، فَقالَ: إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَومَ القِيَامَةِ كما تَرَوْنَ هذا، لا تُضَامُونَ في رُؤْيَتِهِ. ))
أكبر عقاب يُعاقب به الإنسان يوم القيامة ألا يكلمه الله:
قال تعالى:
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)﴾
أنت لو دخلت بيتاً، ودعيت إلى طعام نفيس جداً، الطعام، والشراب، والمُقبلات، والفواكه، والحلويات، وبعدها تمتَّعت بمنظر صاحب هذا البيت له وجهٌ كالبدر، أهذا أعلى شيء؟ لا، هناك أعلى، الأعلى من ذلك أن يقول لك صاحب البيت: أهلاً وسهلاً، أكرمتنا بهذه الزيارة، أنِسنا بك يا أخي، نوَّرت هذا السكن، ترحيب صاحب البيت فوق التمتُّع برؤية وجهه، وفوق التمتع بطعامه وشرابه، لذلك قال تعالى:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)﴾
هناك جنةٌ فيها ما تشتهي الأنفس، وتلذ الأعين، وفيها نظرٌ إلى وجه الله الكريم، وفيها إيناسٌ من الله، وترحيبٌ منه لعباده المؤمنين، لعل هذا كما قال الله عز وجل أعظم ما في الجنة ﴿وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ فلذلك أكبر عقاب يُعاقب به الإنسان يوم القيامة لكن الآن ميِّت، الآن غائب عن الوعي، الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا، أعظم عقاب: ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ .
العقاب الثاني يوم القيامة عقاب الحجاب:
هناك عقاب ثانٍ:
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)﴾
عقاب الحجاب وعقاب عدم التكليم، الإنسان الآن مخدَّر بالشهوات، أما إذا مات انقطعت عنه هذه الشهوات وعاد إلى فطرته، الله منحه نعمة الوجود، منحه نعمة الإمداد، منحه زوجة، منحه أولاداً، منحه عقلاً، منحه شكلاً وسيماً، منحه بيتاً، منحه كل شيء، فكان همه إيذاء الخلق، كان همه الاحتيال عليهم، ابتزاز أموالهم، الإيقاع بينهم، كان همه أن يبني مجده على أنقاضهم، أن يبني غناه على فقرهم، أن يبني أمنه على خوفهم، أن يبني حياته على موتهم، ماذا يفعل؟
﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)﴾
السعادة العظمى يوم القيامة أن يكلمنا الله وأن ننظر إلى وجهه الكريم:
والله أيها الإخوة؛ لعل الله جلّ جلاله يَعجب من هؤلاء الذين يقعون في الكبائر، يقول الله عز وجل:
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)﴾
شيء عجيب، أن يفعل إنسان شيئاً سيُدمِّره إلى أبد الآبدين من أجل لقمةٍ من حرام، من أجل دراهم معدودات يبيع دينه وآخرته، يحلف البائع مئة يمين أنها ليست رابحة، ولا يوجد منها، وأوقفوا استيرادها، وهذه أحسن نوع، ولم يربح فيها شيئاً، وكل هذه الأيْمان كاذبة، ليبيع سلعة فقط، باع دينه، وأشهد ربه كذباً على شيءٍ خسيس، لذلك هذا الذي يبيع النفيس بالخسيس إنسانٌ أحمق.
﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ والله أيها الإخوة؛ إذا سمح الله لنا أن ننظر إلى وجهه الكريم، وأن يكلمنا يوم القيامة لهي السعادة العظمى، لأنه هو أصل الجمال، أصل الكمال، أصل النوال، هو أصل كل شيء، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحبّ إليك من كل شيء، نضرب مثلاً للحكمة: ابن رُبَّيَ تربية عالية، وله أبٌ حنون، عطوف، وقور، كريم، حليم، هذا الابن المربى تربية عالية إذا أعرض عنه أبوه يكاد يحترق، إعراضاً فقط، لم يضربه، إعراض، ما نظر إليه، ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ﴾ .
إذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً:
الإنسان حينما يؤمن، وحينما يستقيم على أمر الله، وحينما يتَّصل بالله يزكيه الله، مستحيل أن ترى مؤمناً حاقداً، مؤمناً جباناً، مؤمناً بخيلاً، مؤمناً حقوداً، مستحيل أن ترى مؤمناً مخادعاً، مؤمناً ذا وجهين، هذا ليس مؤمناً، فالله يزكي المؤمن، يزكيه في الصلاة، إنّ مكارم الأخلاق مخزونةٌ عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً.
يقولون: الماس أغلى شيء في الأرض، بالقراريط، القراريط ثمنها آلاف مؤلفة، أساسه فحم فقط، جاءه ضغط شديد وحرارة شديدة، فالمؤمن أحياناً يُضغط ضغوطاً متواصلة، لكن كل ضغطٍ ينمي فيه صفة راقية، تجده حليماً، أديباً، حيياً، عفواً، صفوحاً، ودوداً، كريماً، شجاعاً، وفياً، هذه الصفات كلها نتائج تربية إلهية.
يا إخوان؛ المؤمن له أدب عالٍ جداً، تجد نظره، يغض بصره دائماً عن عورات الناس، لسانه منضبط بالحق، يذكر الله كثيراً، حركته للإصلاح دائماً، لا ينطلق لفاحشة، ولا لإيذاء الناس، يتحرك للإصلاح فيما بينهم، ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ﴾ ليت العذاب ينتهي أن الله لا يكلمهم، ولم يزكهم في الدنيا، قال: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ فبربكم هل كان هؤلاء عقلاء حينما كتموا الحق؟ والله هناك من يكتم الحق دائماً، بكل عصر هناك من يكتم الحق.
من أشدّ أنواع المعاصي تلك التي توعَّد الله بها مرتكبيها بأن يحاربهم:
حدثني أحد علماء دمشق الأجلّاء كان في مصر، قال لي: من غرائب الصدف أنني حضرت نزعَ أحد كبار علماء مصر، وهو على فراش الموت، رفع يديه هكذا إلى السماء ومدّ أصبعيه، وقال: يا رب، أنا بريء من كل فتوى أفتيتها في المصارف، يبدو حينما كان في منصبٍ دينيٍ رفيع أفتى إرضاءٍ لزيد أو عبيد، وأصدر فتوى، الآن يوجد فتوى عَقِب هذه الفتوى أُودع في بنوك مصر ثلاثة وثمانون مليار جنيه، فهناك فتوى خطيرة جداً، هذا هو يعلم علم اليقين أن هذا حرام، وهذا ربا، ومن أشدّ أنواع المعاصي تلك التي توعَّد الله بها مرتكبيها بأن يحاربهم:
﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)﴾
ومع ذلك هناك فتاوى بأكثر المعاصي، لمَ تصدر هذه الفتاوى؟ من أجل ثمنٍ من الدنيا بخسٍ، ثمن بخس قليل باع دينه وآخرته.
قال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ﴾ أي حينما أفتى هذه الفتوى، أو حينما كتم هذا العلم استبدل الضلالة بالهدى.
الله عز وجل بيّن للناس كل شيء:
بالمناسبة هناك قاعدة لغوية بعكس اللغة العامية، لو قلت لكم مثلاً: فلان استبدل التجارة بالوظيفة، ماذا نفهم منها؟ الآن ما هو؟ استبدل التجارة بالوظيفة، الآن تاجر أم موظف؟ الباء تأتي مع الشيء المتروك، باللغة الفصحى الباء تأتي متأخرةً مع الشيء المتروك، فقال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى﴾ أي باعوا الهدى وأخذوا الضلالة، ﴿وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ ما الذي يُصَبِّرهم؟ يقول الله عز وجل:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)﴾
أي الحجة قائمة، عندما تنصح إنساناً مرة، مرتين، ثلاثاً، تبين له، تُعطيه الدليل، يركب رأسه، يتحامق، ويدفع الثمن باهظاً، لا يستطيع أن يتكلم ولا كلمة، ولا حرفًا، أما إذا لم تنصحه يضع اللوم عليك، ﴿ذَلِكَ﴾ الله عز وجل بيّن كل شيء، لأنه يقول:
﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12)﴾
الهدى على الله، وحيثما جاءت (على) مع لفظ الجلالة معنى ذلك أن الله ألزم بها نفسه.
﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)﴾
﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ ، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ .
الكتاب الذي جاء الله به يُسكت الكفار يوم القيامة عن العذاب الذي لا يُحتمل:
لو أن شريكين أصرّ أحدهما على عمل غير شرعي، الثاني رفض وفكَّ الشركة، الأول سُجِن، ذهب إليه شريكه ليزوره، لا يستطيع أن ينظر إليه، ما الذي يُسكت هؤلاء؟ هذا العذاب الذي لا يحتمله أحد ﴿فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ ما الذي يُسكتهم؟ ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ الكتاب فيه كل شيء.
﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)﴾
﴿ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51)﴾
وصَّل الله القول إليهم، والآن لا توجد حجة أبداً.
بُعث النبي إلى الأمم قاطبة لأن الحق واضح:
أي مكان في العالم، في أقاصي الدنيا، علماء المسلمين جميعاً تأتي محاضراتهم إلى أقاصي الدنيا، أبداً، هذا التواصل الإعلامي شيء مخيف، أي دعوةٍ في الأرض يمكن أن تنتشر في القارات الخمس، أبداً، القول يصل، ووسائل منوعة جداً، ولعل من حِكمةِ أنّ النبي عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء ذلك أن الله عَلِم أن سيكون هناك هذا التواصل، فيما مضى كان لكل قومٍ هاد، أما الآن بعثة النبي لكل الأمم قاطبةً إلى نهاية العالم، فالحق واضح.
بل إن النبي عليه الصلاة والسلام ما من شيءٍ ولو كان صغيراً يُقَربنا إلى الله إلا أمرنا به، وما من شيءٍ يبعدنا عنه إلا نهانا عنه، من أراد الهدى فالهدى بين يديه: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ ، ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ الذي يجعلهم يصبرون، ويسكتون: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ .
الله يعلمنا بخلقه وبأفعاله:
الله عز وجل يُعلّمنا بخلقه، هذا الكـون، ويُعلّمنا بأفعاله، كل أمة طغت وبغت، هناك أمم قوية جداً؛ بل هي أقوى أمةٍ في العالم لا يوجد رأي فوق رأيها ولا إرادة تقهرها، لكن الله فوق الجميع، الله عنده أدوية كثيرة، الزلازل؛ الزلزال في أربعين ثانية لم يبقِ شيئاً:
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾
الله يُعَلِّمنا بخلقه:
﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)﴾
ويُعَلمنا بأفعاله:
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)﴾
الله تعالى يربينا بالتربية النفسية التي يفعلها في قلوبنا:
قال تعالى :
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)﴾
يوجد عند الله زلازل، يوجد عنده أعاصير، يوجد عنده فيضانات، عنده أدوية كثيرة، الله يُعلمنا بخلقه، ويُعلمنا بأفعاله، ويُعلمنا بكلامه، ويربينا تربية نفسية، أحياناً ينقبض الإنسان، أحياناً ينشرح، يأخذ موقفاً جيِّداً، يُلقي الله في قلبه الانشراح والسرور والسعادة، أحياناً يغلط يلقي في قلبه الضيق والانقباض والخوف والقلق، يُربينا بأفعاله، ويُربينا بأقواله، ويُربينا بخلقه، ويُربينا بالتربية النفسية التي يفعلها في قلوبنا، الله عز وجل: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ لاحظ إنساناً إذا أخطأ مع الله، الله حليم، يُرخي له الحبل، أول مرة لم يعرف، ثاني مرة نادم، إذا استمر يأتي البطش الإلهي، الواحد يعرف بالضبط أنه استنفذ كل الفرص، هناك تربية لكل إنسان، لكل واحد، والبطل الذي يفهم على الله عز وجل، كل شيء بحساب: ما من عثرة ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يعفو الله أكثر، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ .
الملف مدقق